قصة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين (CFKDL) في لبنان من عام 1982 الى الان

قصة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان:

 

بتاريخ 24 تشرينَ الثاني 1982، سارت مئاتُ النساء من أمام جامع عبد الناصر في كورنيش المزرعة باتجاه مقرِّ رئاسة مجلس الوزراء الكائن آنذاك في منطقة الصنائع في مدينة بيروت. هذه اللحظة المفصلية حصلت إثر نداء أطلقته وداد حلواني عبر اذاعة "صوت لبنان العربي"، بعد أن تكرر على مسمعها "في متلك كتير" خلال رحلة بحثها عن زوجها عدنان خلال الشهرين السابقين.

متذرّعين بقانون الطوارئ، حاولت عناصر القوى الأمنية النظامية المتواجدة على مقربة من مبنى تلفزيون لبنان منع وصول المسيرة الى وجهتها باستخدام العنف. نتيجة عناد النسوة وإصرارهن على مقابلة رئيس مجلس الوزراء تمّ التوصل إلى تسوية مفادها اختيارهن 4 نساء لتمثيلهن أمام الرئيس شفيق الوزّان. بدأ اللقاء بجو ساده التأثر والتضامن الباديين على ملامح الرئيس وكلامه وهو يستمع إلى معاناة كل من السيدات وانتهى بشكواه "العين بصيرة واليد قصيرة" معلناً عجزه أمام سلطة الميليشيات.

في مدينة قسمتها الحرب إلى نصفين: بيروت غربية وبيروت شرقية، كان دار الفتوى هو المكان الأنسب لتجمع النسوة وتلاقيهن بعيداً عن مكاتب الأحزاب السياسية والميليشيات المتقاتلة. في دار الفتوى بدأ العمل على تسجيل أسماء المفقودين، وتنظيمها في لوائح حملوها الى جميع المسؤولين في زيارات نظّمتها اللجنة.

انقضت ثماني سنوات من المظاهرات المتنقّلة في شوارع العاصمة تحت نيران الحرب وسطوة المتحاربين تطالب بالإفراج عن جميع المخطوفين والمفقودين. خلالها لم يتلق الأهالي من الدّولة الّا الوعود ومحاولات لطمس حراكهم والالتفاف على القضية من خلال تشكيل لجنة غير فاعلة تلتها ثانية وثالثة ولم يعد أيّ مخطوف. لكن الأهالي لم يتراجعوا عن المطالبة بعودة أحبائهم.

بتاريخ 26/8/1990 أعلن انتهاء الحرب بناءً على اتفاق الطائف. وبعد سنة على هذا الاتفاق أصدر البرلمان قانون العفو عن الجرائم التي حصلت خلال المرحلة الممتدة بين نيسانَ عامَ 1975 وحتى 28 آذار 1991. أمام مشهدية العفو عن الذات والمضي قدماً وإشاحة النظر عن نتائج الحرب ومآسيها، شعر الأهالي أنهم تركوا وحيدين خارج ذلك السلام المنقوص. وأدركوا أن مسؤولية مواجهة سياسة إدارة الظهر الرسمية عن مواجهة نتائج الحرب وأولها قضية المفقودين هي مسؤولية المجتمع وليست مسؤولية أهالي هؤلاء الضحايا وحدهم.

بناء عليه، بدأت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان تركّز جهودها وترفع الصوت حول أهمية معالجة نتائج الحرب والدفع باتجاه إبراز المسؤولية المجتمعية في معالجة قضية المفقودين. وتُرجم توجّه اللجنة من خلال متابعتها وحضورها لمعظم الأنشطة التي كانت تنظم لجمع أسماء الأشخاص المهتمين بالقضية والداعمين لها. الأمر الذي انتهى بتشكيل "إطار أصدقاء لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان". اتخذ هذا الإطار شعار لجنة الأهالي اسماً له "من حقنا أن نعرف" وكان عنواناً لأول حملة وطنية تدعم مطالب الأهالي: تشكيل لجنة رسمية للاستقصاء عن المخطوفين والمفقودين وتحديد مصيرهم، مشروع رعاية اجتماعية للأهالي واعلان 13 نيسان يوماً وطنياً للذاكرة واقامة نصب تذكاري يكون بمثابة تكريم لضحايا الحرب وإدانة ماثلة لجرائمها.

بين عامي 2000 و2005، ونتيجة الحملات التي نظمّتها لجنة الأهالي مع أصدقاء القضية شكّلت الحكومات المتعاقبة 3 هيئات تحقيق بلا صلاحيات مدّد لها أكثر من مرة، جمعت معلومات من الأهالي ولم تسلّمهم أي معلومة حقيقية أو مفيدة.

عام 2014 وبعد لجوء الأهالي إلى القضاء تمكّنوا من الحصول على نسخة عن ملف التحقيق الرسمي الذي أقرّ بوجود مقابر جماعية  بموجب قرار صادر عن مجلس شورى الدولة والذي شكّل أول وثيقة رسمية تكرّس حق  الأهالي بالمعرفة. الوصول الى هذا الانجاز تطلب الكثير من العمل والحراك المستمر والحملات الوطنية.

عام 2018 تمكّن الأهالي أخيرا من إلزام المجلس النيابي بإقرار قانون "المفقودين والمخفيين قسراً". صدور القانون جاء نتيجة نضال دؤوب دام 36 عاماً وثلاثة حملات واسعة نظّمتها اللجنة خلال العام ذاته (رقم 105 تاريخ 30/11/2018). مع ذلك، لم تتوقف مسيرة لجنة الأهالي بصدور القانون، بل إن النضال ما زال مستمراً من أجل فرض تطبيقه وصولاً إلى معرفة مصير ذويهم أحياء كانوا أو أمواتا.

يمكن الاطلاع على المزيد من التفاصيل حول قصة "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان"، من خلال الملف أدناه.