قصة نجاح قانون 105

قصة نجاح قانون 105

 

“تطالب لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين بأن تدرج قضيتها في نطاق الخطط السياسية التي طرحت وتطرح لانقاذ البلد، وضمن المعادلات والبرامج التي تعد للوفاق والاستحقاق الدستوري" (جريدة السفير، 9 نيسان 1988).

في تشرين الثاني 1989 اجتمع غالية النواب المنتخبين منذ عام 1972 في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، وذلك بدعوى من جامعة الدول العربية وبرعايا سياسية سورية - سعودية، للاتفاق على وقف الحرب في لبنان. وقتها رفض رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون هذا الاتفاق.

 بقي الاتفاق حبراً على ورق في ظل اشتداد "حرب الالغاء" كما أسمتها حزب القوات اللبنانية؛ معركة دامية انتهت باقصاء عون الى فرنسا واعدام المئات من مناصريه بين كانون الثاني وآذار 1990.

 انتهت الحرب؟ يا وحدنا!

 

بعد عام بالتمام، أصدر مجلس النواب اللبناني قانون عفو عام عن كل الجرائم التي حصلت بين 13 نيسان 1975 و28 آذار 1990. استثى القانون حصراً جرائم الاغتيال المرتكبة ضد السياسيين ورجال الدين، ولم يتطرق الى جرائم الخطف والاخفاء القسري. توقّف الاقتتال، أعفَ البرلمان عن المجرمين وكرّس سردية مبنية على النسيان، ناقلاً بذلك عبئ مسؤولية حفظ السلم الأهلي من السلطة إلى المتضررين.

في 13 نيسان 1990، أي الذكرى الأولى لبدء الحرب الأهلية اللبنانية بعد انتهائها، أفرج حزب القوات اللبنانية عن خمسة معتقلين لديها، وعلّق رئيس هيئة الدفاع عن الحريات الديمقراطية" المحامي سنان أبراج على هذه الخطوة أنها "مسرحية". وفي بيان مشترك مع لجنة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، ساءلوا القوات تجاه مصير 2111 مخطوفاً لديها. حتى تاريخ وفاته في العام 2009، سوف يبرز المحامي سنان أبراج واحداً من أبرز المؤسسين للحاضنة الشعبية الداعمة لـ لجنة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً. هذه الحاضنة الشعبية هي حجر الأساس الذي مكّن الأهالي من مواجهة تلاعب السلطة بسردية السلم الأهلي، ومحاولة ابرازهم كفئة معزولة تهدد السلم الأهلي؛ فكان نضال اللجنة ذو بعد وطني، وشبّكت مع هيئات المجتمع المدني، وتفاعلت مع كافة الفئات الشعبية.

في نهاية العام 1991 (10 ت1) دعت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين جميع أهالي وأقرباء وأصدقاء المخطوفين اللبنانيين الى الاعتصام أمام مقر المجلس النيابي في ساحة النجمة لمطالبتهم "بايلاء المواطن اللبناني المخطوف ربع الاهتمام الذي يبدونه لقضية المخطوفين الأجانب". في تلك المرحلة اجتمع الأهلي أسبوعياً، تنظّموا، وحاولوا شتى الطرق لجذب اهتمام المسؤولين في السلطة. بعد عامين ونيف من التجاهل الممنهج لقضيّتهم، أصدر الاهالي بياناً أخبروا فيه عن معضلة التمكّن من لقاء رئيس الحكومة لتسليمه مذكّرة أنجزت بناءاً لطلبه. قبلها كان الرئيس رفيق الحريري قد أحال الى رئيس ديوانه برقية ارسلها الاهالي، فاجتمع الأخير مع أبراج بصفته ممثلاً عنهم، وعلى ضوء الاجتماع أعدت لجنة الأهالي ملفاً عن القضية ومشروع قانون. فكانت أول محاولة لاقتراح تشريع يشكل حلاً لقضيتهم. ترك مشروع القانون في الأدراج، واستمر الأهالي بالتركيز على توسيع حاضنتهم الشعبية، فأطلقت اللجنة بالتعاون مع هيئة الدفاع عن الحريات، بتاريخ 1/11/1993 ، حملة جمع تواقيع تعبيراً عن الدعم الشعبي للقضية.

 

توفية المفقودين لضمان السلم الأهلي!

 

سرعان ما بدأت السلطة تنتقل من التجاهل الممنهج لمطالب الأهالي، الى اتهامهم باثارة الفتنة، وقد عبّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي في شباط 1995، عن ضرورة عدم السماح بالتكلم عن المخطوفين والمفقودين في الداخل واعتبار أن كل شيء قد انتهى بالنسبة للذين لم يعودوا منهم واعتبارهم شهداء"، واضعاً مطالب الأهالي في خانة اثارة الفتنة الداخلية.

وفي سياق موازٍ، قدّم الحريري مشروع قانون الاصول الواجب اتباعها لاعلان وفاة المفقودين. أقرّ البرلمان هذا القانون، في محاولة جديدة لاظهار قضية الأهالي باعتبارها قضية فأوية تتعلق بمعاملات الارث والاحوال الشخصية مجرّدين ايها من بعدها الوطني ومتجاهلين القانون المقدّم من قبل لجنة الأهالي الى رئاسة مجلس الوزراء.

رفضت لجنة الأهالي هذا القانون وتمسّكوا بمطلبهم بالكشف عن مصير المفقودين. كما أشار أبراج في مؤتمر صحفي عقد وقتها  الى أن الأهالي يتمسّكون بالدعاوى المقدمة ضد خاطفي أبنائهم. لاحقاً في العام 2013 تصدر محكمة الجنايات في صيدا قراراً في الدعوى القضائية الوحيدة التي وصلت الى القضاء بين 17 ألف مفقود. صمدت نجاة حشيشو، زوجة المربي محي الدين حشيشو 23 سنة، قدّمت كل الاثباتات حول خاطفي زوجها الذي تعرّفت والجيران اليهم.

الى جانب دعواها القضائية، خاضت نجاة، إلى جانب بقية الأهالي،  نضالاً لم يكل حتى اقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً عام 2018.

 

"أصدقاء أهالي المفقودين"

 

بالعودة الى التسعينات، تحديداً في 13 تشرين الأول 1998 تم انتخاب ايميل لحود لمنصب رئيس الجمهورية. وقتها كان قد مرّ 16 عاماً على اختفاء عدنان حلواني، وعلى انطلاق رحلة وداد حلواني في تنظيم حراك الأهالي والنضال لأجل جميع المفقودين في لبنان. في وقت لاحق من العام نفسه، نظّمت لجنة الأهالي مؤتمراً صحافياً بمناسبة الذكرى الخمسين للاعلان العالمي لحقوق الانسان. توجّهت حلواني الى رئيس الجمهورية مطالبةً اياه بـ"عدم تغييب العهد الجديد المطلب الاساسي للجنة، أي القانون المتعلق باجراء عملية الاستقصاء والتحري عن مصير الاف المخطوفين والذي يشكل مدخلا الى الحل العادل فتقوم الدولة باطلاق سراح من تجدهم احياء وتعلن وفاة الذين لا تجد لهم اثر". أيضاً أعادت ارساء القاعدة الأساسية لمطالبهم، حيث توجّهت الى جميع الهيئات والجمعيات والافراد العاملين في مجال حقوق الانسان لكي يتبنوا هذه القضية، معلنةّ فتح اطار "أصدقاء أهالي المخطوفين".

في 29 تشرين الاول 1998 أطلق أصدقاء أهالي المخطوفين حملة "من حقنا أن نعرف". الحملة التي ستؤدي لاحقاً دوراً أساسياً في الضغط على السلطة الحاكمة حتى الوصول الى اقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً. الاعلان عن الحملة تم من منبر نقابة الصحافة حيث ألقى النقيب محمد البعلبكي كلمة عبّر فيها عن تبني الصحافة اللبنانية لهذه القضية. وقد ألقت حلواني كلمة اللجنة وجاء فيها أن "دولتنا وحكوماتها المتتالية منذ 17 عام ونيف لم تسمعنا، نسمح اليوم لنفسنا أن نرتاح للحظة وفي قلبنا بصيص أمل لأن المجتمع بدأ يسمعنا، وكلنا ثقة بأنه منذ الآن وصاعداً لن يمر يوم الا ويزداد فيه عدد اللبنانيين الذين سيصغون الينا والذين سيحملون قضيتنا".

وقد تبنّت الحملة مطالب لجنة الأهالي بـ "تشكيل لجنة تحقيق رسمية مهمتها الاستقصاء الجدي عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين على الاراضي اللبنانية واعلان نتيجة عملها في فترة لا تتجاوز السنة. أيضاً اقرار مشروع رعاية اجتماعية لذوي المخطوفين والمفقودين يضمن لهم مستوى من العيش الحر والكريم ويبعد عنهم شبح الجوع والمرض والبطالة". وكخطوة أولى، دعى الأب ألبير عزار، بكلمته عن الحملة كل مواطن يسمع النداء لتوجيه رسالة الى رئيس الجمهورية يطالبه فيها بحل منصف لهذه القضية. وقد جرى توقيع الرسائل في ختام المؤتمر وكان أول الموقّعين نقيب الصحافة والنواب الحاضرين.

 

من حقنا أن نعرف يا هيئات التحقيق

 

الانجاز الأول الذي حققه التحرّك المشترك بين حملة "من حقنا أن نعرف" ولجنة الأهالي كان تشكيل أول هيئة تحقيق رسمية تابهة للدولة عام 2000. أعطيت الهيئة مهلة ثلاثة أشهر لانهاء تحقيقها. مرّت المهلة وكانت الهيئة ستسلم رئيس الحكومة في 25 تموز 2000 تقريرها. بهذه المناسبة دعت الحملة واللجنة الى اعتصامات أمام مقرّات الرئاسات الثلاثة للمطالبة بتسليمهم التقرير. لم يصدر تقرير رسمي عن الهيئة، فقط أعلنت نتائج تحقيقاتها، والذي تضمن تحديداً لموقع ثلاثة مقابر جماعية، بالاضافة لاعتبار المفقودين منذ أكثر من أربعة سنوات في عداد الموتى. هكذا لم يؤدي عمل الهيئة الى تحصيل الأهالي حقهم بالمعرفة، فاستمروا ومعهم أصدقاء اللجنة من خلف حملة "من حقنا ان نعرف". 54 من بين اللذين استسهلت الدولة اعلان موتهم، خرجوا من السجون السورية بعد أشهر قليلة. وتشكّلت هيئتان من بعدها في عام 2001 وعام 2005 وبقيت العائلات من دون اجابات.

 

خيمة الأهالي: دوام أسبوعي وخسارات في الرفاق.

 

بتاريخ 11 نيسان 2005 نصب الاهالي خيمةً في حديقة الأونيسكو، على مقربة من مقري مجلس النواب ومجلس الوزراء.

هذه الخيمة جمعت جمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين - سوليد، لجنة اهالي اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية، لجنة اهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، والمركز اللبناني لحقوق الانسان. بقيت الخيمة 11 عاماً التزمت خلالها نهيل وجانيت ونور وأم علي وصونيا وماجدة ووداد وغازي وأوديت بدوامٍ أسبوعي فيها، حتى أصبحت الخيمة رمزاً للقضية. عام 2009 خسرت الخيمة أوديت سالم التي دهستها سيارة مسرعة على مسافة أمتار من الخيمة، فتوفيت قبل ان تعرف مصير أبنائها.

بهذا تكون أوديت قد غادرت رفيقاتها ورفقائها بعد تقدّمهم بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة الهدف منها إبطال رفض الدولة تسليم مضمون تحقيق "هيئة عام "2000؛ وقبل صدور القرار الذي ألزم الدولة اللبنانية تسليم كافة المعلومات التي جمعتها الهيئة للأهالي، والذي شكّل أول تكريس قانوني رسمي لحقهم بالمعرفة.

استمرت تحركّات الأهالي في الخيمة، وفي الذكرى السادسة (2011) استعاد رئيس جمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين - سوليد غازي عاد  مطالب الأهالي المرابطين في الخيمة، والتي تركّزت حول إقرار القانون وانشاء الهيئة الوطنية لضحايا الاخفاء القسري، انشاء قاعدة بيانات الحمض النووي والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاخفاء القسري ومتابعة عمل هيئة الوطنية لضحايا الاخفاء القسري.

 

صياغة القانون ووضعه بعهدة السلطة لإقراره

 

في العام 2011 أيضاً استقبلت الخيمة وزير العدل شكيب قرطباوي، ورحب به الأهالي فهو وزير العدل الأول الذي زار الخيمة منذ انشاءها، ورافقه النائب عن كتلة الاصلاح والتغيير حكمت ديب. وقتها عبّر قرطباوي عن اهتمامه بالقضية، وطلب من الأهالي توحيد القوانين المتعلقة بهذه القضية، ليتلقى توضيحاً أن القانون المقدم من قبل ديب يتعلّق باليات لوضع اشارات عقارية على المناطق التي يعتقد أنها فيها مقابر جماعية كي يصار الى حفرها واخذ الرفات منها، فيما أوضحت حلواني أن لجان الأهالي الأربعة يتبنون اقتراحاً وحيداً يقدم حلول لملف المفقودين، وهو الذي سبق أن سلّمته اياه حلواني، وهو نتاج تظافر جهود لجنة الاهالي وعددا من هيئات المجتمع المدني والقضاة بالاضافة الى خبراء محليين ودوليين.

بعد مرور سنة على تسليم القانون لوزير العدل، أوضح قرطباوي أنه سيرسل نصاً جديداً الى مجلس الوزراء، هو مشروع مرسوم انشاء الهيئة الوطنية المستقلة للمخفيين قسراً والمفقودين، وذلك تبعاً لملاحظات مجلس شورى الدولة على مشروع المرسوم الأول الذي وضعه والذي اعترضت عليه لجان الأهالي الأربعة. الأمر الذي علّقت عليه حلواني معتبرةً أن الوزير لم يقم بدراسة مشروع القانون فلم يسلك طريقه الى مجلس النواب. واعتبرت وداد ان تقديم مشروع مرسوم هو مجرد تقطيع للوقت، لا سيما ان المشروع كما اطلعت عليه لم يتضمن ذكر للمقابر الجماعية.

وكان المحامي نزار صاغية قد عمل منذ عام 2010 على صياغة هذا المشروع بالاستناد الى قانون الاشخاص المفقودين في البوسنة ومشروع قانون نموذجي للاشخاص المفقودين للصليب الاحمر الدولي وقانون عراقي لحراسة وحماية ونبش المقابر الجماعية والمعاهدة الدولية للاشخاص المخفيين قسراً والقوانين اللبنانية. كما قام المركز الدولي للعدالة الانتقالية بمراجعته والتأكد من انطباقه مع المعايير الدولية.

تاريخ 21 كانون الأول 2012، عقدت كل  من لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، بالتعاون مع جمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين- سوليد، مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة لإطلاق مشروع قانون المفقودين والمخفيين قسراً. في هذه المناسبة صرّحت حلواني:  نضع القانون بين أيديهم لوضعهم امام مسؤولياتهم فما عليهم سوى اقراره.

وفي العام التالي أطلقت لجنة الأهالي وحملة حقنا نعرف حملة "40 الحرب" وكان ذلك في العاشر من نيسان 2015؛ وهي حملة توعوية حول قضيتهم، استمرت 40 يوماً وارتكزت الى 4 صور تتضمن 4 أسئلة مختلفة، وزعت في الشوارع ونشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تضمنت الحملة سؤال "نواب لبنان وينكن" في اشارة الى استمرار امتناع المشرّعين عن القيام بدورهم في اقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً.

 

شورى الدولة يعبّد الطريق باتجاه القانون

 

قبلها بعام، صدر قرار مجلس شورى الدولة لمصلحة أهالي المفقودين، تحديداً في 4 آذار 2014. مرّت 6 أشهر رفضت خلالهم الدولة تنفيذه. في 17 أيلول 2014 أطلقت كل من لجنة الأهالي وسوليد حملة "زورونا" التي دعت فيها الناس الى زيارة الأهالي في دوامهم الاسبوعي كل يوم خميس في الحديقة المقابلة للسراي الحكومي حتى تسليم الدولة لكامل ملف التحقيق الذي أجرته هيئة العام 2000. انتهت حملة الضغط منذ يومها الأول بتسليم الأهالي الصندوق الذي وصفته حلواني أنه "يتضمن ليس فقط حياة مؤلمة لكل المفقودين وذويهم، بل يتضمن ايضا جزئاً من تاريخ هذا البلد البشع عندما افترست العصبيات مناعة شعبنا كما يتضمن صورة طبق الاصل مزرية عما قامت به دولتنا والأصح عما لم تقم به من ابسط واشجباتها ازاء شريحة من مواطنيها ومن اولادها". جاء كلام  وداد في سياق فعالية تسليم الصندوق الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بما يخدم العمل باتجاه توقيع اتفاقية بينه وبين الحكومة اللبنانية بهدف انشاء بنك الحمض النووي. وكانت المنظمة قد  اطلاقت برنامج على المستوى الوطني منذ العام 2012 من اجل تجميع بيانات ما قبل الاختفاء عن الاشخاص المفقودين، على أن تسلم كافة البيانات الى هيئة وطنية مستقلة تنشأ لاحقاً. أخيراً في العام نفسه تم تسجيل مشروع القانون في مجلس النواب.

 

خسارة جديدة وحاضنة شعبية تتوسّع

 

غيّب الموت في نهاية 2016 رئيس “هيئة دعم أهالي المُعتقلين في السجون السورية – سوليد” غازي عاد. في العام اللاحق، 2017، تكلّمت وداد من أمام  خيمة الأهالي في حديقة جبران، باسم اللجنة وسوليد وحملة حقنا نعرف، معلنةَ اطلاق العريضة الوطنية للمطالبة باقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً والتي جمعت ما يزيد عن 5000 توقيع وسجّلت لاحقاً في العام 2018 في مجلس النواب، ما يعني فرض عرضها في أول جلسة للهيئة العامة للمجلس.

في تلك المرحلة كان المجلس النيابي ممدد لنفسه، حيث أن الانتخابات الأخيرة حصلت عام 2009، ومدد المجلس لنفسه 3 مرات منذ انتهاء ولايته عام 2013. إذن، بمناسبة حلول موعد إجراء الانتخابات النيابية المنتظرة منذ سنوات، اعلنت لجنة الأهالي عن «لائحة المفقودين في كل لبنان» في كافة الدوائر الانتخابية الــ١٥، وطلبت من جميع المرشحين، التوقيع على تعهد بتبني مشروع القانون والعمل على إقراره.

بتاريخ 30 تشرين الثاني 2018، أقرّ المجلس النيابي بهيأته العامة قانون المفقودين والمخفيين قسراً، والذي يتضمن انشاء الهيئة الوطنية للمفقودين. شكّل اقرار القانون إنجازا تاريخياً ليس فقط للجنة، بل أيضًا لجميع عائلات المفقودين والمخفيين قسرًا، وخطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الانتقالية.

لقد كرس القانون "حق المعرفة" حيث يضمن لذوي المفقودين والمخفيين قسراً حقهم بمعرفة مصائر ذويهم، وبذلك يكون مجلس النواب قد كرّس بالنص القانوني ما سبق وكرّسه بالاجتهاد القضائي مجلس شورى الدولة منذ عام 2014.

والأهم، أن هذا القانون شكّل مدخل لإنها حالة الافلات من العقاب التي كرّسها قانون العفو عام 1991. يلزم القانون 105/2018 جميع من لديهم معلومات بالإفصاح عنها للهيئة المستقلة تحت طائلة المحاسبة الجزائية في حال عدم الافصاح. يضع القانون آليات لجبر الضرر وإحقاق العدالة عبر ترميم حقوق الضحايا والتعامل معها، الأمر الذي يؤسس لاقفال منلف الحرب الأهلية من خلال مسار العدالة الانتقالية. ان الكشف عن مصير المفقودين ضمن الآليات القانونية يؤدي الى ترميم الذاكرة الجماعية وبناءها على ابراز المعاناة الانسانية التي تتخطى الطائفية والسرديات التي أرستها الميليشيات بعد انتهاء الحرب.

ويتضمن القانون اعتامد تعريف قانوني للمفقودين والمخفيني قسراً؛ الاعتراف بحق العائلات في معرفة مصير أحبائها واستعادة رفاتهم، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني؛ الاقرار بحق أفراد العائلات في الحصول عىل المعلومات والوصول إلى تلك المرتبطة بعامليات، تقفي آثار الأشخاص الملفقودين والمخفيين قسراً بالإضافة إلى تلك الخاصة بجميع التحقيقات غير الرسمية من الناحية القانونية، بالاضافة الى حقهم في الاستفادة من معاملة محترمة وغير تمييزية فضلاً عن الحصول على تعويضات معنوية ومالية؛ وأخيراً تشكيل "هيئة وطنية للمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان" تكون هي الجهة المسؤولة عن الكشف عن مصير المفقودين والمخفيني قسراً وتحديد أماكن تواجدهم.